الفيزياء (من الكلمة الإغريقية فيزيك "φυσική"، وتعني معرفة الطبيعة) هي العلم الذي يدرس المادة وحركتها. [1] بالإضافة إلى مفاهيم أخرى كالفضاء والزمن، ويتعامل مع خصائص كونية محسوسة يمكن قياسها مثل القوة والطاقة والكتلة والشحنة. وتعتمد الفيزياء المنهج التجريبي، أي أنها تحاول تفسير الظواهر الطبيعية والقوانين التي تحكم الكون عن طريق نظريات قابلة للاختبار. [2]
تعتبر الفيزياء من أحد أقدم التّخصصات الأكاديمية، فهي قد بدأت بالبزوغ منذ العصور الوسطى وتميزت كعلم حديث في القرن السابع عشر، وباعتبار أن أحد فروعها، وهو علم الفلك، يعد من أعرق العلوم الكونية على الإطلاق. [3]
وللفيزياء مكانة متميزة في الفكر الإنساني، فهي تأثرت كما كان لها الأثر الحاسم في بعض الحقول المعرفية والعلمية الأخرى مثل الفلسفة والرياضيات وعلم الأحياء. ولقد تجسدت أغلب التّطورات التي أحدثتها بشكل عملي في عدّة قطاعات من التقنية والطب. فعلى سبيل المثال، أدى التّقدم في فهم الكهرومغناطيسية إلى الانتشار الواسع في استخدام الأجهزة الكهربائية مثل التلفاز والحاسوب؛ وكذلك تطبيقات الديناميكا الحرارية إلى التطور المذهل في مجال المحركات ووسائل النقل الحديثة؛ و الميكانيكا الكمية إلى اختراع معدات مثل المجهر الإلكتروني؛ كما كان لعصر الذرة، بجانب آثاره المدمرة، استعمالات هامة في علاج السرطان وتشخيص الأمراض وتوليد الطاقة.
معظم الفيزيائيين اليوم يكونون متخصصين في مجالين متكاملين وهما الفيزياء النظرية أو الفيزياء التجريبية، وتهتم الأولى بصياغة النظريات باعتماد نماذج رياضية، فيما تهتم الثانية بإجراء الاختبارات على تلك النظريات، بالإضافة إلى اكتشاف ظواهر طبيعية جديدة. وبالرغم من الكم الهائل من الاكتشافات المهمّة التي حققتها الفيزياء في القرون الأربعة الماضية، إلا أن العديد من المسائل لا تزال بدون حلول إلى حد الآن، [4] كما أن هناك مجالات نظرية وتطبيقية تشهد نشاطًا وأبحاثًا مكثّفة.
ملاحظة: اعتبار أن " الفيزياء فرع من الرياضيات" عبارة خاطئة تمامًا، لأن النماذج الرياضية تستعمل في علم الفيزياء فقط لتسهيل فهم الظواهر الفيزيائية. وأن مضامين النماذج الرياضية في أي علم من العلوم الطبيعية لا يتدخل في شأنها علم الرياضيات فالمعادلة الفيزيائية الرياضية هي لغة الفيزياء.
تطورت الفيزياء كما نعرفها اليوم، من سلسلة الملاحظات التي جمعتها الحضارات القديمة حول مختلف الظواهر الطّبيعية وخاصة منها الفلكية، والمتعلقة بالتقويم وتقدير الزمن، كحركة الشّمس وأدوار القمر وتشكيلات النجوم. وقد توصل الفلاسفة الإغريقيون إلى استنباط نظريات أولية لتفسير تلك الظواهر، وذلك باتباع منهج منطقي واستدلالي بحت في ما يسمى بالفلسفة الطّبيعية. وقد قدم أرسطو في كتابه "الفيزياء" (الطبيعيات) أول النظريات حول طبيعة الحركة والقوى. وقد ضلت هذه الأفكار، والتي تعرف بالفيزياء الأرسطوطاليسية، مهيمنة على التراث الفلسفي لعدة قرون
الفيزياء في الحضارة العربية والإسلامية
كان للحضارة العربية-الإسلامية دور رئيسي في بداية صياغة هذا علم الفيزياء (الذي كان يعرف عند العلماء المسلمين بالطبيعيات). فقد أنفذ ميراث الفلاسفة الإغريق من الضياع بترجمته إلى اللغة العربية ثم وقع إثرائه وتنقيحه وتصحيحه. فقد قدم العلماء المسلمون المحيطون بمعرفة الأولين من أمثال أرسطو وبطليموس (وغيرهم) نظرياتهم الخاصة وابتكارات عديدة في مجال علم الفلك، والبصريات، والميكانيكا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعتبر ابن الهيثم رائد علم البصريات في كتابه المناظر. كما قدم البتاني (858-929) تحسينات لحسابات بطليموس حول مدارات الشمس والقمر، ووضع ابن باجة ( 1095-1138) أولى قوانين الحركة ومفهوم السرعة.
بعض العلماء المسلمين وإسهاماتهم في الفيزياء
الكندي (803-873) : البصريات وعلم الفلك [5].
عباس بن فرناس (810-887) : الميقاتية والطيران.
ثابت بن قرة (836-901) : تعريف الحركة والوزن والجاذبية [6].
الفارابي (872-950) : علم الفلك وتجارب حول الصوت وطبيعة الفراغ[7].
السيزجي (945-1020) : عاصر البيروني، قال بحركة الأرض حول الشّمس وقام بصناعة إسطرلاب معتمد على مركزية الشّمس[8].
ابن الهيثم (965-1039) : إلى جانب أعماله في علم البصريات والفلك. إكتشف قانون القصور الذاتي في علم الحركة[9].
البيروني (973-1048) : وضع بعض المفاهيم الأساسية في علم الحركة مثل التسارع والإحتكاك كما قام بتحديد الأوزان النوعية لعدّة مواد باعتماد التجربة[10].
الصوفي (986-903) : قام بالتعرف من خلال أرصاده الفلكية على مجرة المرأة المسلسلة وسحابة مجلان[11].
ابن سينا :
عمر الخيام 1044
ابن رشد 1128
الجزري 1206
الفيزياء الحديثة
بتأثير من جذوة العلوم العربية-الإسلامية، أدى تطور المنهج العلمي، خلال القرن السابع عشر، إلى وضع أسس علم الفيزياء الحديث من قبل فرانسيس بيكون وغاليليو غاليلي وإسحاق نيوتن وفصله نهائيا عن الفلسفة. وقد تمكن هذا الأخير من تشكيل المبادئ الأساسية للميكانيكا الكلاسيكية، وهي تصف إلى حد الآن وبشكل جيد قوانين الحركة والقوى والطاقة، على مستوى حياتنا اليومية. وقد تحقق ذلك بفضل اكتشافه، مع غوتفريد لايبنتز، لأحد أهم أدوات الفيزياء الرياضية وهو الحساب التفاضلي.
وفي القرن الثامن عشر، أثناء الثورة الصناعية، تطورت مفاهيم نقل الحرارة، وتبادل الطاقة، وعمل المحركات، وانتشرت مبادئ ما يعرف بالديناميكا الحرارية والميكانيكا الإحصائية.
أما في القرن التاسع عشر، فاكتشفت القوانين الأساسية للكهرومغناطيسية والطّبيعة الموجية للضوء، وكذلك بنية المادة الذّرية وقوانين الإشعاع.
ومع بدايات القرن العشرين، ظهرت صياغات نظرية جديدة أمام عجز الميكانيكا الكلاسيكية في تفسير بعض جوانب الضوء وديناميكا الجسيمات الذرية. وتوصل ألبرت أينشتاين إلى وضع نظرية النسبية الخاصة التي تصف الأجسام المتحركة بسرعة تقارب سرعة الضوء وتأثيرات ذلك على المفاهيم البديهية للمكان والزمن، وبعد ذلك لنظرية النسبية العامة، التي تصف طبيعة قوة الجاذبية وعلاقتها بهندسة الزمكان.
وفي جانب آخر إستطاعت الميكانيكا الكمومية وصف سلوكات الجسيمات الأولية والذرات والجزيئات، وفي هذا المقياس تختلف القوانين الفيزيائية عن تلك التي تخضع لها الأجسام ذات الأحجام العادية [12].